التعذيب في مراكز الاحتجاز.. مرض ينخر في ملف لبنان الحقوقي

التعذيب في مراكز الاحتجاز.. مرض ينخر في ملف لبنان الحقوقي

رئيس جمعية عدل ورحمة: رصدنا في عام 2023 نحو 300 حالة تعرضوا للتعذيب النفسي والجسدي

المركز اللبناني لحقوق الإنسان: نعقد بشكل دوري لقاءات مع رجال أمن وقضاة وأشخاص معنيين للحد من التعذيب

الأمم المتحدة: الظروف في مراكز الاحتجاز تدهورت منذ عام 2010 والوضع تفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية 

 

لبنان- بلال نور الدين

نشرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تقريرها التقييمي حول الواقع الحقوقي في لبنان لعام 2023 في مايو من العام الجاري، ورغم أنه أفاد بأن لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم العربي التي لديها آلية وطنية للوقاية من التعذيب، فإنه خلص إلى أن حقوق الإنسان في البلاد "ليست بخير". 

وبينما ساهمت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان في تراجع دور مؤسسات الدولة، ارتفعت المخاوف من ازدياد حالات التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون اللبنانية، في ظل حديث بعض الجهات عن رصد بعض حالات من العنف الممارس ضد الموقوفين في مراكز الاحتجاز، في حين ترفض الدولة تلك الاتهامات.

بين التعذيب واللاتعذيب 

عماد، مواطن لبناني تعرض للتوقيف في بيروت عام 2020 يروي تجربته، قائلا، "كنت أسير في أحد الشوارع، وفجأة اقترب مني شخصان على دراجة نارية، فمد أحدهما يده إلي، ولما مددت يدي للسلام وضع الشخص الأصفاد في يدي، ثم انهال علي بالضرب. بعدها أخذاني على الدراجة، بينما كانا يشتماني وأنا أتوسل لهما للتوقف عن ضربي".

ويتابع في حديث مع “جسور بوست”، "بعدها أخذاني إلى أحد مراكز الشرطة في العاصمة، وهناك بدأ التحقيق معي. فتفاجأت أن تهمتي محاولة سرقة من داخل سيارة مركونة عند الطريق. أنكرت كل التهم، فقال لي أحد المحققين، إن كنت لن تعترف بفعلك، فسوف ترى ما الذي سيحدث لك عندما تدخل إلى غرفة الاحتجاز".

ويضيف عماد "وبعدما أدخلوني إلى غرفة الاحتجاز، وجدت شخصين جالسين داخلها، فشعرت بالخوف إذ ظننت أنهما سيعتديان عليّ. ولكن تبين لي لاحقا أنهما موقوفان مثلي. وفي اليوم التالي، جاء فريق متخصص للتحقيق معي فأنكرت مجددا كل التهم، ورغم ذلك تم نقلي في اليوم اللاحق إلى مركز الاحتجاز الموجود تحت جسر قرب قصر العدل في بيروت، وهناك كانت الظروف غير إنسانية بتاتا بحيث تجد موقوفين من جنسيات عدة موزعين على غرف، أشبه بغرف احتجاز الحيوانات في الحديقة. اضطررت أن أنام على فراش من كان قبلي، وأما جودة الطعام فكانت غير مناسبة حتى إن أهلي اضطروا أن يشتروا لي طعاما غالي الثمن من خارج السجن".

ويختم قائلا، "بقيت في هذا المركز اللاإنساني حوالي أسبوع قبل أن أعرض على قاضٍ. وبعد العرض أطلق القاضي سراحي. لقد كانت تجربة سيئة ومتعبة، بل حين سألت أحد المحامين عما إذا كان لي الحق في الادعاء أمام القضاء على من ضربني من العناصر، رد المحامي بالقول إنه من الأفضل لي أن أحمد الله على أن القاضي لم يأمر بسجني 3 سنوات، وبالتالي الأفضل لي أن أنسى موضوع الدعوى".

يذكر أن الدولة اللبنانية أغلقت النظارة الموجودة تحت أحد الجسور قرب قصر العدل في بيروت، والتي استخدمتها قوى الأمن في وقت سابق لاحتجاز الأفراد. وقد لاقى هذا المركز انتقادات حقوقية كثيرة بحجة أنه مركز غير إنساني.

من جهته، يروي الناشط الحقوقي خضر أنور قصته في حديث مع "جسور بوست" فيقول "تم توقيفي خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين، وبعد نقلي لمركز التحقيق، تم التعامل معي بالكثير من الهدوء. بل إنني كنت أتحاور بشكل طبيعي مع المحققين، الذين لم يتعرضوا لي بأي عنف جسدي".

وتعتبر النظارة (مركز الاحتجاز) هي المكان الذي يقضي فيه الموقوف أياما غالبا للتحقيق معه قبل أن تبدأ محاكمته لدى القضاء، في حين أن السجن هو المكان الذي يقضي فيه الفرد محكوميته بعد صدور القرار بحقه.

ظروف صعبة 

رئيس جمعية عدل ورحمة الأب د. نجيب بعقليني، أكد "تعرض بعض الأفراد خلال التحقيق معهم إلى تعذيب جسدي ونفسي". ولكنه أشار إلى أن هذا التعذيب "ليس ممنهجا، فالدولة اللبنانية موقعة على اتفاقيات دولية تمنع التعذيب وتطالب وتحاكم المحققين إذا أخلوا بالاتفاقيات، ولكن رغم ذلك يبقى أن هناك بعض الأفراد يمارسون التعذيب".

ويضيف الأب د. بعقليني في حديث مع “جسور بوست”، قائلا "نحن كجمعية رصدنا عام 2023  نحو 300 حالة أخبرنا عنها السجناء، حيث إنهم تعرضوا للتعذيب النفسي والجسدي". 

ويتابع، "طبيعة التعذيب الذي يحدث تكون عادة بالضرب والركل والتهديد لكي يعترفوا (المتهمين) تحت الضغط. حيث إن بعض الأشخاص أحيانا يقرون بأشياء لم يقترفوها خوفا من التعذيب والتهديد والمحاكمة غير العادلة.. خاصة أن الأماكن التي يوجد فيها من يحقق معهم ليست كلها مؤهلة لوجود محامٍ أو كاميرات تسجل التحقيقات.. وهذه الحالة لا تزال موجودة، ولكن بعدما وقع لبنان على الاتفاقيات مع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، باتت هناك متابعة حتى لا يحدث أي تعذيب". 

وعن المشاكل داخل مراكز الاحتجاز، قال إنه “بعد جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي الذي أصاب لبنان باتت مراكز الاحتجاز تعاني من عدة صعوبات وتحديات.. واليوم، هناك نقص في تأمين الأمور الأساسية التي تحترم حقوق الإنسان. فبعض مراكز الاحتجاز لا بأس بها، ولكن أغلب تلك المراكز تفتقد للمعايير الدولية وتغيب عنها الوسائل التي تسمح بالحفاظ على حقوق الإنسان. كما أن هناك اكتظاظا في الغرف".

ويقصد بالمعايير الدولية أي قواعد نيلسون مانديلا والتي هي عبارة عن مجموعة من المعايير التي تحدد المعاملة الإنسانية والكريمة للأشخاص المحرومين من حريتهم.

ويضيف الأب د. بعقليني "هناك نقص في وجود الأدوية والأطباء والنظافة الشخصية ونظافة الأمكنة حيث إنها شبه معدومة. ويوجد معاناة في بعض مراكز الاحتجاز لناحية التهوية ودخول الشمس والحرارة المرتفعة، إلى جانب غياب التدفئة خلال الشتاء.. وهذا يعود للانهيار الاقتصادي وعدم الجدية وغياب المحاكمات السريعة وعدم وجود قضاة بالشكل الكافي للتعجيل في محاكمة المحتجزين".

وبحسب وزير الداخلية اللبناني يوجد أكثر من 8000 سجين داخل السجون والمحكومين تبلغ نسبتهم 20.9% أي أن هناك 79.1% في السجون اللبنانية غير محكومين. علما أن مراكز الاحتجاز في كل لبنان مصممة لاستقبال نحو 4760 فردا فقط. ووفق تقارير إعلامية فإن نحو 42% من الموقوفين في المراكز والسجون اللبنانية هم من غير اللبنانيين.

الأب د. نجيب بعقليني

ويتابع الأب د. بعقليني، "ولدينا أزمات أخرى كحالات الغضب والتمرد، لأن المحاكم لا تقوم بدورها بشكل كافٍ، والقضاة لا يتابعون الملفات بطريقة جدية ومستمرة لأسباب عديدة".

وعن دور جمعية عدل ورحمة في دعم المحتجزين والسجناء، يقول "نحن كمؤسسة نساعد ما يزيد على 900  شخص من جميع الجنسيات والطوائف وغير ذلك. نقدم خدمات من خلال برامج تأهيلية ومشاريع. ونوفر الدعم من خلال الملفات القانونية والملف الصحي إلى جانب الدورات التدريبية كدورات تعليم الكهرباء، ومحو الأمية، واللغات، والرسم، وتعليم الكمبيوتر، والنشاطات الثقافية والرياضية. ونتابع أيضا أهالي السجناء في حال طلب منا النزلاء أن نهتم بأهاليهم وأولادهم".

ويضيف "جمعيتنا تقدم منذ 26 سنة مشاريع تأهيلية داخل السجون اللبنانية، لا سيما سجون رومية وبربر خازن وبعبدا والجديدة". ويتابع قائلا "وقبل الأزمة كان لدينا مراكز في طرابلس وزحلة وأغلب السجون، ولكن نتيجة الظروف التي يمر بها لبنان بات عملنا أقل مع السجناء".

ويوضح أنه توجد جمعيات محلية ودولية وجهات مانحة، مثل جمعية عدل ورحمة، تساند دور وعمل قوى الأمن الداخلي والمسؤولين عن السجون لتكون عضدا لهم من خلال إعادة التأهيل وتأمين مواد التنظيف والأساسيات مثل الأدوية والمساهمة في تكاليف طبابة السجناء خارج السجن، ومساعدة الأهالي عبر توفير المساعدات الغذائية والقسائم الشرائية لهم وغير ذلك. 

ويتابع الأب د. بعقليني "كما نقدم الفرش والأغطية للسجناء في النظارات أو السجون. وهذه خدمات ضرورية في ظل الظرف الذي يمر به لبنان كون أن الاحتياجات تزداد. إلى ذلك، نساعد قوى الأمن لتهيئة الأجواء، لكي يتمتع الأشخاص (الموقوفون) بحقوقهم، ولكي نساعدهم يوما ما على الاندماج في المجتمع. وعند خروجهم نحاول أن نؤمن لهم وظائف. كما نوفر أيضا محامين لكي يتوكلوا عن الأشخاص ويحصلوا على إخلاءات السبيل، ولكل ما هو مرتبط بالملفات القانونية".

ويضيف "نهتم أيضا بالصحة النفسية كونها ضرورية، بحيث توفر خدمة الصحة النفسية إلى جانب الجسدية، لأن الأشخاص يحتاجون للمتابعة كونهم يتعرضون لصدمات وجروح وأزمات.. ولكي يعيشوا بهدوء وسكينة بينما هم ينفذون عقوبتهم بسلام وبدون غضب وعنف، وحتى لا يعودوا إلى السجن مرة أخرى".

ويكشف الأب د. بعقليني عن أدوار إضافية لجمعية عدل ورحمة، فيقول "لدينا في الجمعية بيت لإيواء الأشخاص الذين كانوا في السجن من الذين نعمل معهم على التأهيل. ففي حال لم يجدوا من يستقبلهم كأهاليهم أو لم يعثروا على عمل لصعوبة ذلك أو أن سجلهم العدلي يحتاج إلى وقت حتى يعود نظيفا، فنحن نستقبلهم لدينا في هذا البيت، بحيث يتابعون عملية إعادة التأهيل. كما نوفر لهم المأكل وسبل العيش ونساعد على توفير وظائف لهم في حال استطعنا ذلك. وأيضا نقدم في المركز نفسه المساعدة لمدمني المخدرات، عبر خدمة العلاج بالبدائل".

ويضيء الأب د. بعقليني على مشكلة تمويل السجون موضحا أن "الدولة والحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة توفر ميزانيات ضئيلة جدا، فلا توجد بالتالي إمكانات مادية توضع في يد القيمين على السجون لكي يحسنوا أوضاع السجناء والسجون من كل النواحي، مضيفا أن "الدولة تعرف ما هو مطلوب منها، ولكن نحن نطالب بتشريعات جديدة وتغيير القوانين وتفعيلها وتحقيقها. كما أن هناك ضرورة لاستعمال محكمة سجن رومية التي هي محكمة جديدة ومتطورة وتوفر عناء نقل السجناء، كون أنه ليس هناك إمكانية لنقلهم إلى المحاكم، ونطالب الدولة أيضا بزيادة الميزانية لمراكز الاحتجاز، وتجهيز وتأهيل هذه المراكز بأمور حديثة ومتطورة مثل أجهزة التسجيل خلال التحقيقات، كما يجب أن تكون هناك حملات توعية للحد من الجريمة. ولا بد أيضا من أن يكون القضاء عادلا ونزيها لكي ننهي المشاكل ونخفف الاكتظاظ في السجون".

ووفق تقارير إعلامية، فإن ميزانية وزارة الداخلية المخصصة للسجون قد انخفضت نتيجة شح الأموال في خزينة الدولة.

قانون عصري ضد التعذيب

كشف المركز اللبناني لحقوق الإنسان لـ"جسور بوست" أنه "تم رصد بعض الحالات التي تعرضت للتعذيب، والتي وصل عددها إلى ما بين 50 و60 حالة لأشخاص كانوا موقوفين. وقد أبلغنا هؤلاء بما حصل معهم بعدما خرجوا". 

وعن الواقع داخل مراكز الاحتجاز فيوضح المركز أن "هناك مراكز احتجاز لا يحدث فيها أي تعذيب. وهناك مراكز أخرى قد تشهد بعض التعذيب النفسي أو المعنوي أو حتى الصفع من قبل أفراد، ولكن المحققين قد لا يرون أن ذلك تعذيب بالفعل، علما أن القانون واضح فالتعذيب هو التعذيب أيا كان شكله".

وبخصوص حالة مراكز الاحتجاز فيصفها المركز بأنها "عبارة عن غرف صغيرة مصممة لتستضيف الفرد لبضعة أيام فقط، ولكن بسبب الاكتظاظ الذي يحصل فيها باتت أشبه بسجون كون أن الشخص يبقى فيها لأشهر أحيانا. وبالتالي، فهي بالتأكيد لا تراعي حقوق الإنسان.. والدولة لا توفر فيها الطعام، بل إن أهالي الموقوفين هم من عليهم شراء الطعام للموقوف". 

ويضيف "وفق المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، فمن المفترض أن يحتجز فيها الشخص لمدة 48 ساعة، على أن ينقل إلى مكان آخر بعد ذلك".

ويشيد المركز بإقرار لبنان قانون مناهضة العنف عام 2017 معتبرا أن "القانون من أفضل القوانين، ولبنان كان سباقا فيه في كل المنطقة". ورغم ذلك يكشف أن هناك “مشاكل في التطبيق والإمكانيات وفي وجود بعض الثغرات. فمثلا، هناك لدينا مشكلة متعلقة بالأطباء الشرعيين. إذ بعد الأزمة الاقتصادية، قل عدد الأطباء الشرعيين في البلد. وصحيح أن القانون ينص على أن الدولة يجب أن تدفع أتعاب الطبيب، إلا أن الأتعاب لقاء المعاينة لا تزيد على 3 دولارات بسبب ضعف العملة اللبنانية. وهذا يجعل من يتعرض للتعذيب غير قادر على تكليف طبيب على حسابه الخاص، ما يصعب عملية توثيق تعرضه للتعذيب”.

ورغم الملاحظات، يؤكد المركز أنه "في حال تعرض شخص ما للتعذيب وتم توثيق ذلك، فللشخص الحق بالتقدم بشكوى أمام القضاء العدلي، إذ لا يكفي فقط للشخص الذي تعرض للتعذيب أن يذكر أمام قاضي التحقيق الأولي ما حصل معه". ولكنه يشير إلى مشكلة مفادها أن "الناس لا تتقدم كثيرا بشكاوى تخص التعذيب رغم أن القانون كفل هذا الحق لأي فرد. وحتى إن فعلوا ذلك، فإن دعوى التعذيب تستغرق الكثير من الوقت للبت بها. 

يذكر أنه في سبتمبر 2022 سربت معلومات عن مقتل موقوف سوري في أحد مراكز الاحتجاز، التابعة لجهاز أمن الدولة، جراء التعذيب إلى جانب آخرين سحبت أقوالهم نتيجة الضرب الوحشي. وبعد انتشار تلك الفضيحة،  أوقفت النيابة العامة العسكرية 5 ضبّاط وعناصر في أمن الدولة وأحالتهم إلى القضاء العسكري الذي وجه إليهم تهمة التعذيب. وقد كشفت التحقيقات أن التعذيب كان شديدا وأنه جرت محاولات التزوير والتلاعب بالتحقيقات وتلفيق الاتهامات. وبناء على ذلك، تم إبطال أقوال الموقوفين كونها نزعت بطرق غير قانونية. ولا تزال المؤسسات والجمعيات الحقوقية تنتظر الحكم النهائي للقضاء في هذا الملف.

وعما إذا كان من السهل رصد حالات تعذيب داخل السجون فيقول المركز إنه "داخل السجن يصعب على السجين أن يعبر في حال تعرضه للتعذيب كون أن احتكاك الجمعيات الحقوقية مع السجناء بات محدودا نوعا ما خاصة بعد جائحة كورونا". 

ويتابع "ولكن بالتأكيد في حال حدوث مثل هذه الأمور فإن قوى الأمن تقوم بمحاسبة داخلية، ورغم ذلك فإن هذه المحاسبة لا تكفي. ففي حال لم يعرف الرأي بهذه المحاسبة، فإن الرادع لن يكون موجودا.. ومع ذلك نؤكد أنه لا يوجد تعذيب ممنهج داخل السجون".

وعن الحل الأمثل للحد من التعذيب داخل مراكز الاحتجاز فيؤكد المركز أن الأمر يبدأ "بتطبيق المادة 47 حسب الأصول كونه يوصل إلى تحقيق العدالة، ويضمن ارتياح جميع الأطراف". ولكن المركز يشير إلى أنه "لكي يطبق المادة 47 يجب أن يتطوع المحامون لخدمة الأشخاص الموقوفين. ففي حين أن هناك أناسا قادرين على توكيل محامٍ على حسابهم الخاص، يبقى هناك أشخاص فقراء أو لاجئون وعمال أجانب لا يعرفون أنه لهم الحق في توكيل محامٍ مجانا وفق القانون".

وينهي المركز بالقول "نحن نعقد بشكل دوري لقاءات مع رجال أمن وقضاة وأشخاص معنيين للعمل على الحد من ظاهرة التعذيب".

قانون التعذيب ينفذ جزئياً

ويرى المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان جيرمي لورانس أنه "لم يتم تنفيذ قانون مكافحة التعذيب في لبنان لعام 2017 إلا جزئيا".

ويضيف لورانس لـ"جسور بوست"، أن المنظمة "تحث الحكومة على زيادة جهودها لتنفيذ هذا القانون، بما في ذلك من خلال ضمان قدرة الآلية الوقائية الوطنية على تنفيذ ولايتها بفعالية وبشكل مستقل، بميزانية كافية وشفافية كاملة. كما أن على السلطات السماح لموظفي الآلية بإجراء زيارات منتظمة وغير معلنة لمراكز الاحتجاز ومراقبة التقدم المحرز في استجابات الحكومة لشكاوى التعذيب، مشيرا إلى أن مؤسسات حقوقية دولية عدة "دعت إلى إيجاد حلول وتحسينات للظروف في مراكز الاحتجاز".

ويوضح لورانس أن "رصد مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أظهر أن الظروف في مراكز الاحتجاز في لبنان تدهورت منذ عام 2010. وقد تفاقم الوضع بسبب الأزمة الاقتصادية متعددة الأبعاد التي أثرت على البلاد منذ عام 2019". 

ويتابع، "تواجه المؤسسات التي يرتبط عملها بشكل مباشر بمراكز الاحتجاز نقصًا في الموارد المالية والبشرية، ما يؤثر بشكل مباشر على الوضع داخل المراكز وحياة المحتجزين، وبالتالي، نشعر بالقلق من أن عدداً من مراكز الاحتجاز غير قادر على الحفاظ على الظروف اللازمة لضمان الامتثال لعدد من معايير حقوق الإنسان. ولقد تلقينا تقارير تثير المخاوف بشأن الظروف القاسية في العديد من مراكز الاحتجاز المكتظة، حيث يقال إن غالبية المعتقلين ما زالوا ينتظرون المحاكمة".

جيرمي لورانس

وبحسب المؤسسة الدولية للمعلومات، ومقرها بيروت، فإن رقم الموقوفين قد يزيد على 8000 شخص كون أن نظارات قصور العدل، والنظارات التابعة لمخافر وفصائل قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والشرطة العسكرية، تحوي مئات الموقوفين احتياطياً بقرارات تتخذها النيابات العامة بانتظار استكمال التحقيقات الأولية. وتشير المؤسسة إلى أن التوقيفات في النظارات والمخافر مؤقتة، وهي خاضعة للزيادة والانخفاض بين يوم وآخر.

وبينما يعتقد لورانس أن الحكومة اللبنانية واجهت تحديات لجهة تحسين ظروف مراكز الاحتجاز بسبب الأزمة الاقتصادية منذ عام 2019، ووباء كوفيد-19، وانفجار مرفأ بيروت، والحرب بين حزب الله وإسرائيل، فإنه يقول إن على الحكومة أن "تعالج الاكتظاظ في مرافق الاحتجاز، الذي يقوض القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية. وينبغي لها أيضاً ضمان الاهتمام الكافي بقضايا الاحتجاز، والعمل على تأمين احتياجات السلطة القضائية لتكون قادرة على المضي قدماً في القضايا، وتجنب التأخير، وتقليل المعدلات المرتفعة للحبس الاحتياطي. وعلى السلطات اللبنانية أيضا أن تنظر في بدائل الاحتجاز، خاصة في قضايا الأحداث، كما أن عليها إعطاء الأولوية لتحسين وضع مراكز الاحتجاز في ميزانيتها الرسمية، من خلال تخصيص المزيد من التمويل للإمدادات الأساسية وتشغيل المرافق".

وقد طالت نيران الحرب في جنوب لبنان الموقوفين والمحكومين داخل النظارات الواقعة قرب الحدود اللبنانية. إذ بحسب بعض التقارير الصحفية، فإنه ونتيجة المعارك الدائرة تم نقل الموقوفين والمحكومين داخل النظارات القريبة من مناطق القصف إلى مراكز أخرى، ما أدى إلى ازدياد نسبة الاكتظاظ. عدا عن أنه تم وضع بعض الموقوفين الأحداث في مخافر مختلطة مع بالغين.

قوى الأمن لا تمارس التعذيب

ويرفض مصدر أمني رفيع المستوى التهم الموجهة لقوى الأمن بتعذيب المحتجزين، مشيرا إلى أن قوى الأمن هي التي "طالبت بتطبيق المادة 47 من أصول المحاكمات التي تنص على ضرورة وجود محامٍ في الجلسات الأولى للتحقيق. وهذا ما بات يحدث بالفعل منذ سنة ونصف تقريبا".

ويضيف المصدر أن الهدف من تلك الخطوة كان "التخلص من التهم المتعلقة بتعذيب الموقوفين خلال التحقيق معهم".

ويؤكد المصدر في حديث مع "جسور بوست" أن "المحققين لم يعودوا بحاجة التعذيب خلال استجواب، كون أنه بات هناك تكنولوجيا متطورة وأخصائيون واحتراف في أساليب التحقيق". 

ويتابع "نحن ندرب عناصرنا لسنوات على حقوق الإنسان، وأسس حقوق الإنسان أصبحت جزءا من هيكلية قوى الأمن. وفي حال حدوث تجاوز، فهذا يمكن أن يحدث في أفضل دول العالم. ولكن التعذيب ليس ممنهجا، مضيفا "كل عنصر في قوى الأمن لديه ما يسمى دليل سلوكيات قوى الأمن، وهو متعلق باحترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والدستور".

ويكشف المصدر أن "قوى الأمن أسست لجنة لمكافحة التعذيب. بحيث إنه في حال حدوث عملية تعذيب، تذهب اللجنة مع أطباء للكشف على مراكز الاحتجاز والسجون بشكل مفاجئ". 

ويوضح أن قوى الأمن "لديها آلية للشكوى والتبليغ حول التعذيب أو بحق العناصر عبر عدة طرق منها الخط الساخن والموقع الإلكتروني وغير ذلك، بحيث يمكن للشخص التقدم بشكوى بدون ذكر اسمه الحقيقي. وكل هذا يهدف لضمان الكرامة الإنسانية".

ويؤكد المصدر أن "جمعيات ومؤسسات كثيرة محلية ودولية تعنى بحقوق الإنسان لديها مراكز داخل السجون، ومنها من يقوم بزيارات فجائية للكشف على أوضاع السجناء والموقوفين، وبالتالي نحن لا نخبئ شيئا".

ويوضح المصدر أن المؤسسة "تقوم بجهود مع المجتمع المدني والمؤسسات الدولية لتحسين الأوضاع داخل السجون. ولكن تبقى لدينا مشكلة الاكتظاظ بحيث إنه في الغرفة الواحدة يجلس نحو 20 شخص بينما هي يجب أن تتسع في الأساس لثلاثة أشخاص". 

ويتابع "مع الأسف كانت لدينا خطط عديدة لبناء سجون وفق معايير عالمية ولكن الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان أثرت علينا، ومع ذلك، قريبا سنفتتح سجنا جديدا للأحداث".

ويوجد في لبنان 225 نظارة (مركز احتجاز) و25 سجنا موزعة على مختلف الأراضي اللبنانية. 

ويؤكد المصدر أن "الحقوق الطبيعة مكفولة من مأكل ومشرب وغير ذلك، فصحيح حصلت بعض المشاكل في بداية الأزمة، ولكن كان هناك دائما توفير للغذاء والدواء بالتعاون مع جهات دولية، واليوم وفرنا الطاقة الشمسية والمياه النظيفة، وبات لدينا فرن متطور يخدم أكثر من سجن ومركز احتجاز. كما بات لدينا مطبخ لتحضير الطعام".

ويوجد في السجون اللبنانية مشاغل ومكتبات ونوادٍ رياضية وقاعات تدريس عدة أنشئت بهدف التخفيف عن السجناء خلال قضاء فترة عقوبتهم.

واختتم المصدر، مذكرا بإنجاز نوعي حققته قوى الأمن فيقول "لقد سجلنا إنجازا خلال جائحة كورونا، إذ استطعنا بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي تطبيق خطة عزل، بحيث لم يمت سوى شخص واحد جراء الفيروس، والسبب في ذلك أنه لم يقبل أن يأخذ العلاج، مضيفا "نحن نسعى للحفاظ على حقوق السجناء وكرامتهم وحقوقهم لأنهم في النهاية سيعودون للانخراط في المجتمع".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية